
رفقاء الأمس، خصوم اليوم، والضحية الوطن.
عاد الجنوب الليبي إلى صدارة المشهد بعد سنوات من النسيان والتهميش، وفي مخطط ممنهج تهاجم قوات حفتر مدن الجنوب الليبي بزعم القضاء على عصابات التهريب، لكن الحقيقة هي محاولة السيطرة على الجنوب ووضع مقدراته في أيادي قوات حفتر التي سمحت للميليشيات بأن ترتع في الجنوب وترعى عمليات تهريب الوقود والنفط والمشاركة في عمليات تهريب المهاجرين غير الشرعيين عبر الجنوب.
إعلان قوات حفتر تنفيذ عمليات عديدة في مدن الجنوب الليبي كلمة السر فيها حسن الزادمة، فبعد أن كان أحد أهم قيادات قوات حفتر، ومع تنامي نفوذه وحدوث خلافات مع صدام حفتر بسبب الصلاحيات وتمويل الميليشيات، والشعور بالقلق من إحكام الزادمة سيطرته على الجنوب الليبي فتحول التعاون إلى خلاف وخصومة.
أعلنت ميليشيا حفتر تنفيذ عمليات في مدن الجنوب، بمزاعم القضاء على الظواهر السلبية ومحاصرة العناصر التشادية التي تعيش في الجنوب الليبي منذ سنوات دون أن يهتم أحد، بينما كان المقصود القضاء على منافسيها في المنطقة والمسيطرين على بوابات التهريب الرئيسية.
وبتتبع خريطة هذه الحملات، سنجدها بدأت بمدينة سبها، ثم القطرون وزلة، حيث ارتكبت فيها الميليشيات التابعة لقوات حفتر، بالترتيب، العديد من الانتهاكات بحق سكان الجنوب من اقتحام المنازل ونهب الممتلكات، ومحاولة إظهار أن المنطقة غير مستقرة أمنيا، عبر الاكتشاف المفاجئ لميليشيات تهريب البشر، ثم اكتشاف مقبرة جماعية.
وسرعان ما تحول الأمر لاكتشافات أخرى أكثر خطورة، إذ بدأت بالإعلان عن اكتشافات مصيرية كتهريب للوقود ومخازن أسلحة داخل منازل المواطنيين ومزارعهم الخاصة، في اكتشافات مفاجئة، وكأن ميليشيات حفتر استيقظت فجأة لتكتشف أن كل مدن الجنوب تحولت لمرتع للتهريب، في محاولة لغسل يدها من دم شعب تلك المنطقة.
ولأن الميليشيا المنفصلة عنها، تعلم جيدا حقارة المخططات التي كانت تتبعها معها في وقت سابق، بدأت في شن هجوم مضاد الهدف منه استمرار إحكام سيطرتها على منافذ التهريب والثروات الضخمة بالجنوب.
غرق الجنوب بمدنه في صراع دموي طويل، وبدأت ميليشيا حفتر في محاولة استعطاف المواطنيين عبر زرع الأسلحة أو على أقل حال الكشف عن مخازن قديمة كانت تمتلكها هي أو ميليشياتها المنفصلة عنها، لتزعم أنها توصلت إليها في عمليتها العسكرية أو كما تزعم الأمنية.
الغريب أن لا أنباء عن القبض على أي عناصر أو ميليشيات خلال اقتحاماتها تلك، أو في تعبير أدق القبض على عدد كافي يؤكد أن تلك المخازن كانت موجودة بالفعل أو إنسابها لأشخاص بعينها، وكأن الميليشيات التي تزعم قوات حفتر وجودها، تركت مخازنها دون حراسة أو أي وسائل تأمين.
وعلى ذلك المنوال، بدأت الاشتباكات تنتقل من منطقة لأخرى، بهدف تحزيم المنقطة بحزام عسكري تابع لقوات حفتر ثم السيطرة على كافة المنافذ الحدودية وبوابات التهريب، وهو ما لم تسمح به الميليشيات المنفصلة التي خاضت معها معارك ضخمة كان ضحيتها المدنيين وممتلكاتهم وحياتهم، حتى أن الطرفين لم يستثنيا داعميهما من السكان، فالجميع كان ضحية كما الجنوب تماما.
ولأن الميليشيات المنفصلة تنتمي للجنوب فكانت أدرى بمداخله ومخارجه وهو ما زاد من حجم ميليشيات حفتر، التي سرعان ما انسحبت لعدة أيام حتى تستعيد قوتها وتعدل مخططاتها ثم تعود مجددا، حتى تستأنف قتال يغرسون به سكينة غدرهم في قلب الجنوب.
وعادت قوات حفتر إلى القطرون ومنها إلى منطقة زلة، واستأنفت عملياتها القتالية، في محاولة جديدة لاستعادة السيطرة عليها ومحاربة فصائلها المنفصلة، ضمن حرب يتحارب فيها طرفين كانا في يوم من الأيام جسد واحد يفكر ويخطط بالطريقة ذاتها، عبر الاعتماد على فصائل ومرتزقة أفارقة لا يهمهم سوى أموال التهريب والنسب التي يحصلون عليها، دون التفكير في حجم الفظائع التي يرتكبها الطرفان.
ميليشيا حفتر نشرت صورا فقيرة لا تعبر عن الوضع بالقبض على بعض العناصر التشادية التي تبدو وأنها مجرد عناصر مدنية فرت من بلادها إلى الجنوب الليبي أو ربما مرتزقة اعتمد عليها الطرف المنفصل وكانت يوما ضمن صفوف حفتر وميليشياته.
الجنوب الليبي، في التنمية والبناء منسي، وفي الاشتباكات والتهريب والجرائم وحصد الثروات دائما حاضرا، وكأنه كتب عليه السقوط الدائم في هاوية الاشتباكات والجرائم والحرمان من ثرواته.